سورة الملك - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الملك)


        


وقولُه تعالَى: {أَفَمَن يَمْشِى مُكِبّاً على وَجْهِهِ أهدى} إلخ مثلٌ ضُرِبَ للمشركِ والموحدِ توضيحاً لحالهِما وتحقيقاً لشأنِ مذهبيهما، والفاءُ لترتيبِ ذلكَ على ما ظهرَ من سوءِ حالِهِم وخرورِهِم في مهاوِي الغرورِ وركوبِهِم متنَ عشواءِ العتوِّ والنفورِ، وعدمِ اهتدائِهِم في مسلكِ المُحاجَّةِ إلى جهةٍ يتوهمُ فيها رشدٌ في الجملةِ فإنَّ تقدمَ الهمزةِ عليها صورةً إنَّما هُو لاقتضائِهَا الصدارةَ وأما بحسبِ المعنى فالأمرُ بالعكسِ كَمَا هو المشهورُ حتَّى لو كانَ مكانُ الهمزةِ هلْ لقيلَ فهَلْ مَنْ يمشِي مُكباً الخ. والمُكِبُّ الساقطُ على وجهِهِ يقالُ أكبَّ خرَّ على وجهِهِ وحقيقتُهُ صارَ ذا كبَ ودخلَ في الكبِّ كأقشعَ الغمامُ أي صارَ ذا قشعٍ والمَعْنَى أفمنْ يمشِي وهو يعثرُ في كلِّ ساعةٍ ويخرُّ على وجهِهِ في كلِّ خُطوةٍ لتوعرِ طريقِه واختلالِ قُواه أهدَى إلى المقصدِ الذي يؤمُّه.
{أَمَّنْ يَمْشِى سَوِيّاً} أي قائماً سالماً من الخبطِ والعثارِ {على صراط مُّسْتَقِيمٍ} مستوِي الأجزاءِ لا عوجَ فيهِ ولا انحرافَ قيلَ خبرٌ من الثانيةِ محذوفٌ لدلالةِ خبرِ الأُولَى عليهِ ولا حاجةَ إلى ذلكَ فإنَّ الثانيةَ معطوفةٌ على الأُولى عطفَ المفردِ كقولِكَ أزيدٌ أفضلُ أم عمروٌ وقيل أُريدَ بالمكبِّ الأَعْمَى وبالسويِّ البصيرُ وقيلَ من يمشِي مُكباً هو الذي يُحشرُ على وجهِهِ إلى النَّارِ ومَنْ يمشِي سوياً الذي يُحشرُ على قدميهِ إلى الجنَّةِ {قُلْ هُوَ الذى أَنشَأَكُمْ} إنشاءً بديعاً {وَجَعَلَ لَكُمُ السمع} لتسمعُوا آياتِ الله وتمتثلُوا بما فيهَا من الأوامرِ والنواهِي وتتعظُوا بمواعظِهَا {والأبصار} لتنظرُوا بها إلى الآياتِ التكوينيةِ الشاهدةِ بشؤون الله عزَّ وجلَ {والأفئدة} لتتفكرُوا بهَا فيمَا تسمعونَهُ وتشاهدونَهُ من الآياتِ التنزيليةِ والتكوينيةِ وترتقُوا في معارجِ الإيمانِ والطاعةِ {قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} أي باستعمالِهَا فيما خُلقتْ لأجله من الأمورِ المذكورةِ. وقليلاً نعتٌ لمحذوفٍ وما مزيدةٌ لتأكيدِ القلةِ أي شكراً قليلاً أو زماناً قليلاً تشكرونَ، وقيلَ القلةُ عبارةٌ عن العدمِ {قُلْ هُوَ الذى ذَرَأَكُمْ فِى الأرض} أي خلقكُم وكثركُم فيهَا لا غيرُهُ {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} للجزءِ لا إلى غيرِهِ اشتراكاً أو استقلالاً فابنُوا أمورَكُم على ذلكَ {وَيَقُولُونَ} من فرطِ عُتوِّهم وعنادِهِم {متى هذا الوعد} أيِ الحشرُ الموعودُ كما ينبىءُ عنهُ قولُه تعالَى: {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} {إِن كُنتُمْ صادقين} يخاطبونَ بهِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنينَ حيثُ كانُوا مشاركينَ لهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في الوعدِ وتلاوةِ الآياتِ المتضمنةِ له وجوابُ الشرطِ محذوفٌ أي إنْ كنتُم صادقينَ فيما تخبرونَهُ من مجىءِ الساعةِ والحشرِ فبيِّنُوا وقتَهُ.


{قُلْ إِنَّمَا العلم} أي العلمُ بوقتِهِ {عَندَ الله} عزَّ وجلَّ لا يطلعُ عليهِ غيرُهُ كقولِهِ تعالَى: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّى} {وَإِنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} أنذركُم وقوعَ الموعودِ لا محالةَ وأما العلمُ بوقتِ وقوعِهِ فليسَ من وظائفِ الإنذارِ. والفاءُ في قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ} فصيحةٌ معربةٌ عن تقديرِ جملتينِ، وترتيبِ الشرطيةِ عليهِمَا، كأنَّه قيلَ وقد أتاهُم الموعودُ فرأَوهُ فلمَّا رَأَوهُ إلى آخره كما مرَّ تحقيقُهُ في قولِهِ تعالَى: {فَلَمَّا رَءاهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ} إلاَّ أنَّ المقدرَ هُناكَ أمرٌ واقعٌ مرتبٌ على ما قبلَهُ بالفاءِ وهَهُنَا أمرٌ منزلٌ منزلةَ الواقعِ واردٌ على طريقةِ الاستئنافِ. وقولُهُ تعالَى: {زُلْفَةً} حالٌ من مفعولِ رَأَوْا، إمَّا بتقديرِ المضافِ أيْ ذَا زُلفةٍ وقربٍ، أو على أنَّه مصدرٌ بمَعْنَى الفاعلِ أي مُزدَلِفاً، أو على أنَّه مصدرٌ نُعتَ بهِ مبالغةً، أو ظرفٌ أيْ رَأَوهُ في مكانٍ ذِي زُلفةٍ {سِيئَتْ وُجُوهُ الذين كَفَرُواْ} بأنْ غشِيَتْهَا الكآبةُ ورهَقَهَا القَترُ والذلةُ، ووضعُ الموصولِ موضعَ ضميرِهِم لذمِّهِم بالكُفرِ وتعليلِ المساءةِ بهِ {وَقِيلَ} توبيخاً لهم وتشديداً لعذابِهِم {هذا الذى كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ} أي تطلبُونَهُ في الدُّنيا وتستعجلونَهُ إنكاراً واستهزاءً على أنَّه تفتعلونَ من الدعاءِ، وقيلَ هو من الدَّعْوَى أي تدَّعُونَ أنْ لا بعثَ ولا حشرَ. وقرئ: {تَدْعُون}، هَذا وقَدْ رُوِيَ عن مجاهدٍ أن الموعودَ عذابُ يومِ بدرٍ. وهُو بعيدٌ.
{قُلْ أَرَءيْتُمْ} أي أخبروني {إِنْ أَهْلَكَنِىَ الله} أي أماتَنِي، والتعبيرُ عنه بالإهلاكِ لما كانُوا يدعُون عليهِ صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنينَ بالهلاكِ {وَمَن مَّعِىَ} من المؤمنينَ {أَوْ رَحِمَنَا} بتأخيرِ آجالِنَا فنحنُ في جوارِ رحمَتِهِ متربصونَ لإحدَى الحُسنيينِ {فَمَن يُجِيرُ الكافرين مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} أي لا ينجِّيكُم منهُ أحدٌ مِتنا أو بَقِينا، ووضعُ الكافرينَ موضعَ ضميرِهِم للتسجيلِ عليهِم بالكفرِ، وتعليلِ نَفي الإنجاءِ بهِ {قُلْ هُوَ الرحمن} أي الذي أدعُوكم إلى عبادَتِهِ مُولِي النعمِ كُلِّها {ءَامَنَا بِهِ} وحدَهُ لَمَّا علمنَا أنَّ كلَّ ما سواهُ إما نعمةٌ أو منعَمٌ عليهِ {وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} لا على غيرِهِ أصلاً لعلِمنا بأنَّ ما عداهُ كائناً ما كانَ بمعزلٍ من النفعِ والضُّرِّ {فَسَتَعْلَمُونَ} عن قريبٍ البتةَ {مَنْ هُوَ فِى ضلال مُّبِينٍ} منَّا ومنكُم. وقرئ: {فسيعلمُونَ} بالياءِ التحتانيةِ {قُلْ أَرَءيْتُمْ} أي أخبرونِي {إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً} أي غائراً في الأرضِ بالكليةِ وقيلَ بحيثُ لا تنالُهُ الدِّلاءُ، وهو مصدرٌ وُصِفَ بِهِ. {فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاء مَّعِينٍ} جارٍ، أو ظاهرٍ سهلِ المأخذِ.
عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ سُورةَ المُلكِ فكأنَّهُ أحيَا ليلةَ القَدرِ».

1 | 2 | 3